لم أكن اتصور أن تكون الحياة اليومية في القرن العاشر و الحادي عشر بهذا الشكل، رغم مطالعتي لكتب التاريخ، فإنها المرة الأولى التي أشعر فيها بإطمئنان قلبي بفهمه للأحداث و المصطلحات المعقدة، التي طالما كانت تعيق فهمي الكامل لكتب التاريخ الإسلامي، فرغم كون الكتاب رواية الى أنه يستند الى مصادر و مراجع تاريخية واقعية، تجعلك تتباع الأحداث بالبحث بشغف كبير في الموضوعات التاريخية لتتأكد و يطمأن قلبك بأنك أمام رواية عملاقة، فرغم تسرع الكاتب في الأجزاء الأخيرة لإنهاء الكتاب، الى أن طريقة سرد الأحداث تعوض ذلك النقص. الرواية شجعتني الى اقتناء كتاب "سياسة في الجنة" الذي انتظره بكل شغف.

مواقف ساخرة واخرى محرجة وبعضها سخيفة، في رحلة يجوب فيها بطل الرواية الصحراء العربية الى الفيتنام و مصر و الأمازون و طبعا "بلاد صناع القدر و القرار" الأمريكان ... يعمل كصديق ووسيط وسمسار للأمريكان ... لا بئس بها.

رواية عظيمة لكاتب كبير، إلتهمت الكتاب خلال يومين. كتب أحد النقاد (ستانلي كورنغولد) أن هناك أكثر من 159 تفسيرا ممكنا لقصة المسخ. لكن لم تعجبني الترجمة، فهي ترجمة حرفية بعيدة عن ترجمة مفهومة المعاني، و المصيبة أن المترجم هو منير البعلبكي، من عمالقة اللغويين و المترجمين العرب. سمعت أن هناك إصدار جديد للكتاب في كثير من اللغات بترجمة مختلفة عن السابقة، انتظر أن يحالفني الحظ للحصول على نسخة منها، طبعا باللغة الإسبانية حيث الترجمة و الإصدار تسير بوثيرة أسرع من العربية.

لست من النوع الذي يعظم و يبجل الروايات الكلاسيكية فقط بسبب أن الناقد ينصفهاو الإعلام يروج لها ... لا ... أفضل المطالعة عليها أولا و بعدها أبدي رأي فيها ... مهما كان المؤلف ... فلست مقلد و مستهلك أعمى. في ما يخص هذه الرواية، فقد إلتهمتها في أيام معدودوة و أنصح بمطالعتها و "التمتع بها" !، فقد صدق النقاد ... الطيب صالح كاتب عملاق.

عظيم هذا المدعو أنس زاهد، الكتيب عبارة عن مواقف ساخرة مليئة بالسخرية "لحمار عربي" يطلب اللجوء السياسي ليهرب من القمع الذي يتعرض له "الحيوان العربي".

الشخصية المعنية في الرواية هو عزيز بنبين، ذلك الرجل الذي إستطاع أن ينجو من جحيم البرد والبراز والظلام والظلم صبح مساء ... مذة 18 سنة دون إتصال بالعالم الخارجي ... لا أستطيع التعليق على ما قرأته، لأني قد صدمت، لم أستطع النوم ذلك الأسبوع كثيراً ... وعند إنتهائي من الرواية بقيت مستيقضا أتقلب في سريري طوال الليل ... كما لو كنت السجين الرابع و العشرون. لكن لا أخفي فرحي عند لحظات بشائر، مثل الحمامة التي دخلت الى ذلك القبر، و ذلك العصفور ...و الأحلام المستمرة لذى بطلنا المبشرة بالخير و الشر.

اهتمام من اليابانيين للتعرف على ثقافتنا، فرغم حالة الصدمة التي واجهها مؤلف الكتاب في بداية رحلته في العالم العربي (القمع و الظلم...) لم يبتعد عن الموضوعية و الحيادية وتفهمه "لخصوصيات" ثقافتنا، يدافع عن قضايانا و يحاول قدر الإمكان تبرير سلوكياتنا الغريبة و المريضة أحيانا. محاولة جيدة من ياباني بنية حسنة لمخاطبة العرب بشكل مختلف عن المتشرقين الأوروبيين أصحاب راية الإستعلاء العرقي .

بكل صراحة الكتاب خيب ضني، فهو مجرد نصائح شبيهة بكتب المساعدة والتحسين الذاتي، لا يحتوي على عمق كافي للشخصيات والأحداث كي نصفه "بالرواية". جد متواضع.