تعليقات الخاصة بـ
دريد عوده
الرائي المستنير
-
دريد عوده
قراءة في كتاب الرائي المستنير
- 24/10/2011
يستوقفك في زحمة الاصدارات كتابٌ يضجُ بحكمة القدماء،وعبق شذا أفكارٍ منثورةٍ تزين كل صفحة بطعم "الرحيق الأثيري". وكأنك في حضرة "الرائي المستنير" تغمس ناظريك في العسل السائل على خدّ الكلام المبين الصادر من عمق التجربة الانسانية، فيطيب معه الكلام، وتحلو برفقته مرارة الأيام .
يبدو أن خوابي دريد عودة قد طفحت بمخزون جليل ينسكب بسلاسة أمام القارئ الباحث المحلّق بعيداً في فضاء المعنى الرحب، معنى الحياة والموت،المعرفة والجهل،الحرية والعبودية.إنها الجودة النابعة من تراكم الخبرات الغنية التي لوّحتها شمس الأيام المثمرة.نصه متفلتٌ من ضوابط التقليد وعجرفة "الأنا أفكر" والتقوقع في سراديب الأفكار الضيقة المفصّلة على قياس الجهل. يطلق سراح الكلام ليركض ويسابق الغزلان في مروج فلسفة الحياة الكلية التي تغرف من مَعين الروح معانٍ دفينة.صوتٌ نشازٌ في وسْط سمفونيات تعزف تقاسيمها على مقام المادية المستشرية، ينقلك بتأنٍ الى عالم الروح حيث المعايير مختلفة والأشكال تنطق بلمعانٍ مغاير. معه تأخذ دروساً مريحة في كيفية التحليق عكس التيار ، وفي تقنيات الغوص في عمق الذات، وفي الحفر في قلب الينبوع . لا يتركك ترتاح. ينتظرك على عتبة كل الصفحة ليفرش أمامك ألف سؤال وسؤال.يلوح في أفق النص وجهُ نبيّ جبران، وصدى حكمةِ سقراط ومُثُلِ أفلاطون، وتردّداتِ تعاليم بوذا، كما تُشرق أمامك بين الحين والآخر عباراتٌ عابقةٌ بنفحاتٍ من وحي المسيح. ناهيك عن الإنغماس بالفكر النيتشوي حيث مفهوم الإنسان الأعلى بالإضافة الى العود الأبدي الذي يتسلل الى النص الباحث في خبايا الروح وطبيعتها. من دون أن نغفل البعد الصوفي المتجلّي في أكثر من مكان،كما البعد الاسلامي ذي الملامح المتألقة. تنهال عليك صور وعبارات تسرّبت من صوفية إبن عربي، وجرأة الحلاج، ورقي الخبرات النسكية على حدّ سواء. يحمل اليك "الرائي المستنير" رحيقاً جمَعَه من حقولٍ معرفيةٍ متنوعة،لا يَردعه خوفٌ ولا حرجٌ عن اختراق الأسوار الوهمية ومعانقة المعنى. إنها فلسفة روحانية يبثّها المؤلف عبر أثير الصور والكلمات الشفافة التي تنقل الى القارئ عصارة خبرات وتعاليم لوّحتها شمس الحكمة.
عشتار حب البشر وأقدار الآلهة
-
دريد عودة
قراءة كتاب عشتار، حب البشر واق
- 26/10/2011
"عشتار، حبّ البشر وأقدار الآلهة"، هو أكثر من رواية، بل إنه تجسيد للصراع الوجودي للبشر، الذين تتنازعهم رغباتهم وخياراتهم الشخصية من جهة وما يفرضه عليهم القدر من جهة أخرى.
إلا أن الكاتب هنا لا يصوّر القدر عدواً للإنسان، بل يسمو بالقدر إلى مرتبة الرسالة السماوية هدفها الارتقاء بالإنسان إلى مرتبة الألوهة، فيجسّد الصراع بين حبّ عشتار
لـ أدونيس وحبّه لقدره الإلهي، أي الرسالة السماوية التي عاد بها بعد موته وانبعاثه.
كما يصوّر الكاتب، بأسلوب راقٍ، صراع الإنسان مع الموت ورفضه له، وهذا ما تمثّله عشتار من خلال محاولاتها المتكرّرة منع أدونيس من المضي قدماً في تأدية رسالته السماوية بعدما بعثته حيّاً، كي لا تخسره مجدّداً، هي التي تعرف بغريزتها الوجودية أن رسالة الحياة التي يحملها للبشر ستودي به إلى الموت.
لكنّه أيضاً يشير إلى طبيعة الحبّ المتملّكة، إذ تفضّل عشتار أن تشارك أدونيس مع الموت ولا تشاركه مع أحد، في إشارة هنا إلى عرائسها السبع، التي تمثّل كل واحدة منهن صفة من صفات الإلهة، واللاتي لا يخفين حبّهنّ لـ أدونيس.
وينطلق الكاتب من هنا، ليميّز بين حبّ البشر وحبّ الآلهة. فحبّ البشر مهما عظم يبقى حبّ الذات فيه أقوى، فيما في حبّ الآلهة، يتماهى حبّ الذات مع قدرهم الأعلى، فتتحول الرسالة الإلهية إلى فعل مشاركة يقدّم فيها الإله جسده ودمه خبزاً وخمراً سماويين راسماً بهما الطريق لبلوغ الألوهة.
وإذا كانت عشتار تمثّل الحبّ الصارخ فينا عندما لا يعود يصغي إلى وجعنا الداخلي، ونحن نعاند مشيئة القدر من خلال التمسّك بمن نحب والخوف من خسارته، فهي أيضاً تجسيد لنهاية نبيلة للحبّ، نهاية تليق بإلهة، إذ لم تستسلم استسلام الضعيف المنهزم للقدر، بل قرّرت أن تُصلب وتموت مع حبيبها أدونيس ولا تتركه لقدره وحيداً وتحيا ألم فراقه مرّة أخرى.
ولا يتوقّف الكاتب عند تصوير أدونيس، الإله العائد من أجل رسالة سماوية، بل يعطيه أيضاً بعداً إنسانياً يتجلّى من خلال حبّه الكبير أيضاً لـ عشتار، فيجعلنا نعيش معه تمزّقه الجسدي والروحي، حيث أن كلّ خلية من خلايا جسده وروحه انقسمت إلى اثنتين، واحدة تريد عشتار والثانية القدر الأعلى. وهذا المشهد في النص يجسّد "وحدة" حب البشر والحب الإلهي، تماماً كما يظهر مشهد الصلب بنهاية الكتاب، حيث اتحد حب أدونيس وحب عشتار جسداً وروحاً في مشهد الموت فوق الصليب. وهذا ما أبرزه الكاتب بقوة أيضاً من خلال اختياره منحوتة "نشوة الطبيعة" للفنان والشاعر رودي رحمه غلافاً لكتابه حيث تجسّد المنحوتة عناق الحبيبين منتشيين فوق صليب الآلام، فلا يعود الصلب موتاً بل قيامة وحياة.
كتاب "عشتار، حب البشر وأقدار الآلهة" من نوع الأدب الملحمي الجديد كما يشير مؤلفه، وهو يمتاز بأسلوبه الراقي ولغته المتينة، فيعود بنا إلى زمن الأدب الحقيقي حيث تتداخل الكلمات بالصور فتتولّد المشاهد وكأنّها لوحات حيّة لا يعاينها القارئ وحسب، بل تبدو وكأنّها لحظات حيّة نعيشها.
وفي كتاب "عشتار، حب البشر وأقدار الآلهة"، يتحوّل الكاتب إلى رسّام يلوّن بريشته الصفحات بألوان مختلفة، وموسيقي يطوّع الكلمات بين يديه أنغاماً تحاكي الوجدان وتسمو بالروح.
ويتمتّع الكتاب، ككل ملحمة غنائية، برمزية كبيرة حيث يترك لنا المؤلف الإستنتاج أن أدونيس عاد بشخص المسيح. كما يخفي بين ألوانه ذاك الخيط الذهبي الذي يربط بين المسيح وبوذا، وبين أدونيس وديونيزوس إله الخبز والخمر عند الإغريق، ليُقيم بجسر الألوان هذا الوحدة الروحية التي يريدها الكاتب للعالم.
أساطير امرأة سورية
-
إنعام أسعد
شاعرة الأساطير الأخيرة
- 18/07/2019
يقول غارثيا لوركا "لم تُولد بعد القصيدة التي تدخل إلى القلب كما يدخل السيف".
قد تكون تلك القصيدة وُلِدت، أو لاحت بشائرها، مع ديوان الشاعرة إنعام أسعد وباكورة أعمالها "أساطير امرأة سورية".
قصائد – أساطير لا تدخل إلى القلب على أرجلٍ من نغم وأجنحةٍ من شجن فحسب، بل بحدّ سيف نَصْلُه شعاعُ شمس: يترك فيك الكلمات صدى ضوء ورَجْعَ فجر. يوقظ فيك الصمت. وهل الصمت غير تلك اللانهاية بين كلمتين؟!
هنا تدخل القصيدة القلوب كسيفٍ ودود: يحمل إليك ما في غمد القلب الحاكي، قلب الشاعرة. لكنه يحاكي ما في قلب المتلقّي، قلبك، فتحار، في ذاك الاندماج الكلّي، هل أنت المتلقّي، أم أنت الحاكي، أم كلاكما، الشاعرة وأنت، النشيد الواحد، نشيدُ بحرٍ ردم شاطئيه، حفّتيه، ضفّتيه بموسيقى الموج ورنين الزبد؟! أم كلاكما، السيفُ الجارحُ الزاجلُ شعراً، والقلبُ الزاجلُ جوارحَه، أسطورةٌ ردمت حافتَيّ الأزل والأبد برقصة: "آلهةُ الحياةِ / همستْ في أذنِ الوجود / كلُّ ما في الكونِ / شريكي في الرقص" ? هكذا غنّى سيف إنعام للقلوب ليجندلها في شرك سمفونية الشراكة.
تنعدم المسافات في شعر إنعام أسعد، تغدو جسور "وأغاني ملوَّنة / تقولُ للشمسِ إن النوافذَ أجنحةٌ للعناق / وإن عطرَ بسمةٍ صلاةٌ تأخذها الريحُ حيثما تشاء / وما تقولُهُ العصافيرُ / على أغصانِ أسمائها / تراتيلُ صلاة / وإن بحراً هائجاً أو هادئاً / باسطاً ذراعيهِ / أرجوحةٌ للصلاة".
هنا، ولدت القصيدة التي تدخل إلى القلب، لا كسيفٍ يقطر دماً بل كترتيلةٍ تقطر بثريّات السماء: "لا دماءْ / في وريدِ وردةٍ حمراءْ / بل صلاةٌ خافيهْ".
في زمنٍ يُحكى فيه عن أفول الشعر (!) تضع "مواهب أدبية" و"دار الفارابي" الرهان على ربيع الشعراء المتجدّد، فارشةً قصائدَ ديوان "أساطير امرأة سوريّة" مزاميرَ ضوء وبتلاتِ ريحان: "ترنُّ السماءُ خلاخيلَها / نجمةً نجمة / ولا تُسمَعُ الأصواتُ / حتى يفتحَ الليلُ ستارةَ السكون / وردةٌ – قصيدةٌ / والأرضُ هي الشاعرُ / ألقتْ مفاتيحَ الكلام / ما بين صمتِ غيمةٍ عابرة / وصمتِ نجمةٍ ساهرة / ... أتقوَّسُ فوقَ نجومِ السماء / ألمسُ أهدابَ القمر / أصفِّقُ لكرمةِ المدى / وخمرِ زهرةٍ وحيدة / تنحني لنسمةٍ أو صدى".
الأديب دريد عوده / مواهب أدبية
الديوان من إصدارات "مواهب أدبية" مع دار الفارابي
A Literary Talents Book