تعليقات الخاصة بـ
ناقد عربي
تواضعت أحلامي كثيراً
-
سعدية مفرح
سعدية مفرّح توشّح بالأحمر حياة
- 16/11/2006
سعدية مفرّح توشّح بالأحمر حياة سوداء وبيضاء،
«تواضعت احلامي كثيراً» ديوانها الجديد ...
سعدية مفرّح توشّح بالأحمر حياة سوداء وبيضاء
بقلمالناقد اللبناني عبده وازن
ليس الشعر حدثاً عادياً في حياة سعدية مفرّح بل هو قرين هذه الحياة الحافلة بالمتناقضات في شتى معانيها وبالأحوال المختلفة، والأسئلة والأحلام والمشاعر الواضحة حيناً والغامضة حيناً... وإن باح عنوان ديوانها الجديد «تواضعت احلامي كثيراً» (المؤسسة العربية) بحال من الانكسار تبعاً لتواضع الحلم الشخصي او الأحلام الشخصية، فإن الحلم الذي هو رديف الوهم لا يمثل فسحة للهروب والمضي نحو عالم ماورائي، اقل وحشة، مقدار ما يحضر كوجه آخر للحياة التي غالباً ما تتمثل في بعديها: الأسود والأبيض. تقول الشاعرة: «أحاول أن أتذكر حلم ليلة البارحة/ لأكتبه بتفاصيله الملونة/ فتفاجئني أحلام اليقظة بلونها الوحيد...». هكذا يحل حلم اليقظة الذي هو أقرب الى «الفانتسم» أو «الاستيهام» عوض حلم الليل الذي يفتح الأبواب على عالم غرائبي بحسب عبارة الشاعر الفرنسي جيرار دو نيرفال في مستهل كتابه الرائع «اوريليا». حلم اليقظة الذي يحصل في حال بين النوم واليقطة يجعل العالم مقتصراً على لونين هما بالأحرى بمثابة لون وظله: الأسود والأبيض. هذا الحلم اليقظ يشيع في مقاطع عدة من القصائد ولكن ليس كحال حلمية – يَقِظة بل كخلفية ترتكز إليها عين الشاعرة ومخيلتها وربما ذاكرتها. إنها كمن يكتب «بالقلم الرصاص» بل كمن ينفض عن الحياة ألوانها ليجعلها حياة على الورق شبيهة بالحياة اليومية التي تحياها وكأنها لا تحياها أو تحيا على هامشها. «سأترك لوحتي خالية من الألوان» تقول الشاعرة. وتمضي في حلم اليقظة حتى لتقول: «أريد فيلماً بالأسود والأبيض/ أغني مع بطلته...» وتتحدث كذلك عن «صورة بالأبيض والأسود» وعن «بيت صغير» ترسمه بالقلم الرصاص وترسم حوله «سلكاً شائكاً». هل يعبر هذا «السلك الشائك» عن حال من الطمأنينة ترجوها الشاعرة ام عن حال من الحصار والانعزال عن العالم؟ مثل هذا السؤال لا يجيب عنه سوى شعر سعدية مفرّح.
في عالم الشاعرة لا يتساوى النهار والليل، فالنهار قصير جداً، كما تعبّر، بل هي التي تريده قصيراً «يكفي لكتابة قصيدة»، اما الليل فتريده طويلاً و «طويلاً جداً» شبيهاً بليل الشعراء والأولياء والقديسين، وربما بليل الموتى الذين يرقدون رقادهم الأخير. لكنها مقابل هذا الليل تريد ان تصرخ كل صرختها، كما تقول، تريد ان تغني، تريد «كرة ارضية» ترسم خريطتها، تريد شجرة تغني، تريد «جواز سفر صالحاً في كل المطارات»... ومقابل كل ما تريد من أمور تدل على الحياة نفسها تقول: «اريد مجرّد مخدة مريحة». ولا شك في ان المخدة هنا تكتسب معنى النوم ممزوجاً بمعنى الليل والحلم، وربما الطمأنينة التي تبحث الشاعرة عنها. ومن داخل عزلتها، من داخل البيت الذي رسمته مطوقاً بـ «السلك الشائك» تخاطب العالم قائلة: «صغير انت ايها العالم». صغير هو العالم، حقاً. فالشاعرة التي تبدأ رحلتها في الشارع ذاته، تعد «بلاطات الرصيف مع كل خطوة» كما تعبّر في احدى قصائدها مضيفة: «وقبل الوصول بقليل/ يتشابه عليّ البلاط/ فأبدأ العد من جديد». بل هي تقابل كل يوم «اناساً متشابهين» كما تقول. لكن هذا العالم الصغير تستطيع «الرسائل وحدها» ان تخترقه. «الرسائل وحدها/ تستطيع اقتراح النهايات» تقول، وتضيف: «في الرسائل وحدها/ نمارس شجاعتنا المتمناة». وفي إحدى قصائدها تخاطب «البريد الإلكتروني» شاكرة إياه مع انه اتى «متأخراً الى حد ما». صحيح ان هذا البريد جاء متأخراً،