العرب ومستقبل الصين ؛ من اللانموذج التنموي إلى المصاحبة الحضارية
-
سامر خير أحمد
من اللانموذج التنموي إلى المصا
- 19/06/2009
واحد من الدروس المستفادة من نجاح "اللانموذج التنموي" الصيني، الذي انطلق في العام 1978 وظهرت ثماره الأولى في مجتمعات الريف والمدن الصينية بين منتصف وأواخر ثمانينيات القرن العشرين، أن العرب كان يمكنهم في مطلع التسعينيات، ليس فقط إدارة موقفهم تجاه العولمة بشكل أفضل، لو أنهم أنجزوا التنمية غير التابعة في مرحلة سابقة، انطلاقاً من التكامل الاقتصادي العربي الذي ظل فكرة تُطرح منذ الأربعينيات، بل أيضاً توظيف مفاعيل هذه العولمة في صالح طموحاتهم النهضوية، كما تيسّر للصين أن تفعل، حين باتت بفعل مكانتها الاقتصادية، قطباً عالمياً مرشحاً.
ذلك لم يحدث. لكن "الدرس الصيني" في الانطلاق من "لانموذج" تنموي يُنجز تنمية غير تابعة، ما يزال قائماً، شريطة تحقيق أمرين أساسيين: الأول هو وصول العرب إلى حالة ما من التصرّف على أساس "الوحدة الاقتصادية الواحدة"، والثاني هو ممارسة هذه الوحدة سيادتها على مواردها الطبيعية، فبغير هذين الشرطين لا يمكن توظيف الموارد الطبيعية العربية تكاملياً، ولا يمكن توجيه هذا التوظيف لما يخدم التنمية العربية.
تطبيق "اللانموذج التنموي" الذي قدّمته الصين للعالم، ليس متاحاً في أماكن كثيرة من العالم النامي، لا تتحقق فيها الشروط المتعلقة بالمساحة والسكان والموقع والموارد والتقارب الاجتماعي، لكنه متاح بالتأكيد في العالم العربي، فليس ثمة إذاً عائق يمنع العرب من التفكير بالخطوات الأولى للنهضة، إلا غياب برامج العمل عن أجنداتهم وخططهم.
هناك مقارنة رائجة في العالم العربي، مع ما وصلت إليه أوروبا: فقد وضع العرب أفكارهم الوحدوية الأولى في المجال الاقتصادي، مع تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945، قبل أن تبدأ أوروبا التفكير بتكاملها الاقتصادي، الذي تجسدّت خطوته الأولى بتوقيع ستة بلدان أوروبية (بلجيكيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا) في العام 1951، اتفاقية المجموعة الأوروبية للفحم والصلب، وهي التي انبثقت عنها السوق الأوروبية المشتركة في العام 1957، وصولاً إلى إعلان الاتحاد الأوروبي في العام 1992 من 11 دولة، ثم المضي في توسيعه تالياً من مرحلة إلى أخرى. فعلت أوروبا كل ذلك، على ما بينها من اختلافات وخلافات، بينما تكامُل العرب، على ما بينهم من مشتركات وما يحققه لهم تكاملهم من مصالح حضارية، لم يجد طريقاً إلى أرض الواقع. بالطبع، فإن الأمر ليس بلا أساس، فثمة ما يُغيّب "برامج العمل" عن الأجندات العربية، سواء ما مسّ المصالح السياسية والمنافسات والمشاحنات المتّصلة بها، أو ما تعلّق بالمقارنات بين الدول العربية الغنية، ونظيرتها الفقيرة.
الأمر لا يتوقف عند التنمية، فالدرس الصيني في إنجاز النهضة، ما يزال قائماً هو الآخر، ما دامت "التنمية الاقتصادية" هي المقدمة التي أتاحت للصين الوقوف على عتبات "النهضة"، وما دام ثمة طموح لدى العرب باستعادة مشروعهم النهضوي، الذي صيغ وبدأ العمل لتحقيقه في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم تعطّل اعتباراً من لحظة دخول الاستعمار العالم العربي، وتخليهم عن أساسه الفكري البرغماتي الذي لا يختلف كثيراً عن أسس اللانموذج الصيني، القائل إن الحقيقة تكمن في النتائج، وتبنيهم بدلاً منه ردوداً أيديولوجية، غلّبت الوسيلة على الغاية.
لقد كانت فلسفة المشروع النهضوي العربي، التي صاغها –أول مرة- رفاعة الطهطاوي، متوافقة في روحها مع فلسفة المشروع الصيني الذي كان دينغ شياو بنغ رائده ومطلقه، فالطهطاوي لم يجد حرجاً في الدعوة للاعتبار بالتقدم الاجتماعي والسياسي الذي رآه في فرنسا، كونه